الياسمين الدمشقي
أن لهذه الزهرة قيمة معنوية عالية بالنسبة للسوريين حيث تحولت إلى رمز دمشقي بعدما ارتبطت بتاريخ الشام
وانتشرت في بساتين غوطتها وعلى شرفات منازلها وقرب جدران بيوتها القديمة،
ومازالت تشكّل أحد مميزات البيت الدمشقي الرئيسية طالما أن رائحتها توفر أجواء الراحة وتضفي على الجلسات جمالية
خاصة.
وحين يُذكر البيت الدمشقي تتداعى إلى الذاكرة مباشرةً صورة نمطية حميمية لحيز مكاني يعبق بأريج الفل والحبق والأضاليا
والمستحية والياسمين الدمشقي،
تلك الزهرة البيضاء التي ارتبطت بمدينة دمشق ارتباطاً وثيقاً وأصبحت رمزاً طبيعياً من رموزها عبر العصور،
كما هو جبل قاسيون.... ونهر بردى... والجامع الأموي....وسوق الحميدية،.....
فتميزت بها وانتشرت في بيوتها القديمة وحدائقها المنزلية لتصبح عاصمةً للياسمين. وظلت هذه الزهور علامة تميّز
الهوية السورية، وينبوعاً للجمال، وأغنية للشعراء
ولعل أكثر من تغنى بياسمين دمشق وبياضه الناصع الشاعر نزار قباني
الذي أهدته دمشق "أبجدية الياسمين" حسب تعبيره،
وحكاية نزار قباني مع الياسمينة الدمشقية بدأت منذ فتح عينيه على هذه الحياة لأول مرة،
ترعرع في ظلها....لتصبح جزءاً من حياته وتفكيره وشعره ونثره...
فالياسمينة الدمشقية موجودة في الكثير من قصائد نزار قباني.
وأظهر تعلقه الشديد بها حتى أواخر حياته
حينما كان يوصي ويصر على أن يُدفن في التراب نفسه
الذي نبتت فيه حبيبته ياسمينة دمشق، حيث قال:
{إنني أرغب في أن ينقل جثماني بعد وفاتي إلى دمشق ويدفن فيها في مقبرة الأهل لأن دمشق هي الرحم الذي علمني الشعر
وعلمني الإبداع وأهداني أبجدية الياسمين}.
وهكذا عاد الطائر إلى بيته والطفل إلى حضن أمه الأرض في مقبرة الباب الصغير التي تعرّشت على أسوارها زهرات
الياسمين الدمشقي البيضاء وهي تفوح برائحة زكية يملأ شذاها الأرجاء.....
أما الشاعر محمود درويش فيقول في قصيدته "في الشام" بمجموعته "لا تعتذر عما فعلت":
"في الشام، أعرف من أنا وسط الزحام، يدلّني قمر تلألأ في
يد امرأة... عليّ يدلّني حجر توضأ في دموع الياسمينة ثم نام".
وفي ما مضى "أبو البقاء عبد الله البدري"،
عالم من القرن التاسع الهجري، ذكر في كتابه "نزهة الأنام في محاسن الشام"، أن
(من محاسن الشام "الحواكير) وهي كالحدائق في سفح جبل قاسيون، ،
زُرعت بالرياحين والياسمين والأزهار المتنوعة ليحمل منها النسيم العابر طيب الريح، ويسري به إلى أماكن أخرى من
المدينة".
أما ظاهرة زراعة الياسمين على أسوار المنازل المنتشرة بكثرة في دمشق وغيرها من المدن السورية، تعتبر من الأجواء
الرومانسية البديعة التي تنعش الحياة ببياض هذه الزهرة الناصع ورائحتها الزكية ، كما ينتشر على الأرصفة باعة
الياسمين الذين يجمعون زهوره في أطواق يتبادلها الناس كهدايا رمزية خاصةً بين العشاق الذين يضفون الرومانسية على
جلساتهم بهذه الزهور....
هذي دمشق وهذي الكأس والراح .. إني أحب وبعض الحب ذباح
أنا الدمشقي لو شرحتم جسدي .. لسال منهم عناقيد وياسمين وتفاح
اسال الله ان يجعل ايامكم ببياض ونقاء زهرة الياسمين